إن من أسباب موت القلب تتابع الذنوب فالذنب يورث الذنب، كما أن الحسنة تستدعي وتستتبع الحسنة، ومن أشد أخطار الذنوب، أن يذنب العبد ذنباً يكون بعده الطبع أو الختم عَلَى قلبه أو إماتته بالكلية كما قال تعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)) [المائدة:13] فلما نقضوا الميثاق وتركوا ما أمرهم الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- به، ونقضوا ما عاهدوا الله تَعَالَى عليه من الإيمان والتقوى والصبر والجهاد؛ عاقبهم الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بعقوبتين: اللعنة، كما قال جل شأنه ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)) [المائدة:78، 79].
فعوقبوا باللعنة نتيجة الكفر والعصيان، والعقوبة الثانية عوقبوا بقسوة القلب قال عز من قائل: ((وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَة)) [المائدة:13] ومن قسوة قلوبهم أخذوا يحرفون الكلم عن مواضعه، هذه الآيات التي إذا قرأها الإِنسَان يرق قلبه، ويلين ويخشع لكنهم لقسوة قلوبهم أصبحوا يقرأونها ليحرفوها عن مواضعها، وليصرفوها وفق أهوائهم وشهواتهم وحظوظهم العاجلة الفانية، فهذا حال أهل الكتاب، وهذا حال كل من عصى الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يوشك أن يعاقبه الله تَعَالَى عَلَى هذا الذنب بذنب أعظم منه، يوشك أن يُعَاقب الإِنسَان عَلَى إدمان النظر إِلَى النساء بالزنى -والعياذ بالله- ويوشك أن يعاقبه عَلَى التدخين بشرب الخمر -عافانا الله وإياكم من ذلك- ويوشك أن يعاقبه عَلَى البدعة بالشرك، فكل ذنب هو وسيله ومقدمة لما بعده، وقد تقع العقوبة عليه بأن يرتكب ذنباً أكبر منه، نسأل الله تباك وتعالى السلامة والعافية.

ومن هنا فإن المؤمن حريص كل الحرص عَلَى أن ينقي قلبه ويتعاهده ما استطاع وأن يراقب نفسه دائماً ويحاسبها، عَلَى ما فرط في جنب الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ويستدرك قبل أن تنزل عليه العقوبة، فلا يدري ما هي هذه العقوبة، ولو أن العقوبات عَلَى الذنوب تختص بما يقع في الأرض، من الجدب والخوف، والنقص في الثمرات والأموال، ومن كل الفتن التي تقع، لكانت أهون! ولكن أشد منه وأغلظ أن تقع العقوبة نفاقاً في القلب أو كفراً بالله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بعد ذلك، وهذا ما جرى لأهل الكتاب من قبلنا، وما جرى للمنافقين أيضاً في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ يقول رحمه الله تعالى:
وترك الذنوب حياة القلوب            وخير لنفسك عصيانها
فمن أراد أن يكون قلبه حياً الحياة الحقيقية، الحياة الطيبة فعليه بترك الذنوب والتمسك بما أمر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فإن العز كل العز، والخير كل الخير، والسعادة كل السعادة في طاعة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.